مقدمة بقلم الشهيد موسى شعيب
أبدأ ناثرا و لن أطيل. أودُ أن أقول شيئاًً طالما حببت قوله. شيئاً عن الشِعر كما أراه و أعانيه، و شيئاً عن الشاعر كما أتصوره و أحلم أن أكونه.
لكأنه حتم علينا أبناء هذا الجيل أن نهدر الطاقات دائما ً في غير طائل. لكأنه يمين قطعناه على النفس أن نتلهّى أبدا ً بجانبيّ المعارك، نسدِّد الحراب دائما ً بعضنا إلى نحور بعض، نعجز أمام القضايا الجد، أمام المعارك الجد، أمام الأعداء الجد، فننكفئ الى الساحات، ساحاتنا، نعرض العضل كما الطفل في بيت أهله، كما النرسيسي أمام مرآته.
فيما أقوله لا أتوجه الى فئة دون أخرى و لا أعفي رهطا لأخصص آخر بل إنـّي أتـّهم حتى نفسي فأرجو أن يفهم قولي موضوعيا لا ذاتيا.
و فيما يخصني ... أنا يا إخوة، شاعر آمنت بشرف الكلمة والإلتزام. آمنت حتى القرارة بأمتي وحقها في الوحدة و الحياة الكريمة، هذا الإيمان يهمني أن أعلنه في أي مكان ومن على أي منبر... والصوت الشريف لا تضيره أذن صماء و الأذن الأمينة لا يضيرها صوت ناشز. كل من آمن بالحرية صديقي و كل من أخلص للعروبة أخي وليست تهم فيما بعد الإنتماءات.
الشاعر إنسان والشعر موقف. وهما واحد لا إثنان. إنسان في موقف. الشِعر وجه الشاعر الحقيقي، وجه الإنسان الحقيقي. الوجوه اليومية الأخرى أقنعة. مهما بلغت من الأنسجام و العفوية تظل زائفة. ولئن قيل عن كذب الشاعر أو صدقه، فالحق أنه كاذب حتى يقول الشِعر. وربما قيل في الشاعر عن تخَلٍّ أو التزام، عن رفض أو قبول، وفي ذلك كله يبقى شهادة إنسان. للشاعر أن ينكشف و للناس أن يروا. له أن يقدم ذاته و للناس أن يزنوا تلك الذات. و ليست تهمّ فيما بعد المقايس و قد يقال عن تناقض الشاعر و تأرجحه بين كفر و أيمان و رفض و قبول. فالتناقض شجاعة فيه و أصالة، تمزيق لمعاهدات الخجل و رفض للوائح الإئتلاف.
بقيت كلمة عن القصيدة. و القصيدة وحدها موقف في سلسلة مواقف، تسهم في عملية الكشف عن الشاعر و لكنها لا تكفي لكشفه. و الموقف وليد الحالة. و الحالة الشعرية أبعد ما تكون عن الجمود لأن الجمود عدم، و الشعر خلقٌ و حركة.
وكما نعدم الشاعر حين نسجنه في قصيدة، كذلك نميت القصيدة حين نقطع شرايين الحياة بينها و بين شاعرها و سائر شِعره. ومثل الشاعر مع الجماعة كمثل القصيدة مع أخواتها: فهو عظيم بمدى ارتباطه بالآخرين و إخلاصه لهم. الشاعر صوت جيله، فيه جروح ذلك الجيل و فيه أغانيه. و في مواسم الألم يُعَمِّد الألم الشاعر، يطهره، يخض أحشاءه لتتمخض عن الحقيقة-المأساة التي فيها الخلاص. و هو إذ يبدو خابطا ً في الوحل قافزا ً على العشب أو مصلوبا ً على قضبان السجون يظلُّ، شاء أم أبى، تعبيرا ً عن تمخضات الجماعات، يظل عينها الكاشفة و أنفاسها الباحثة عن الهواء.
و بعد ... قد أبدو مُبالِغا ً ... وقد أكون في شعري متخيلا ً أو ملتزما ً وربما متناقضا ً، ولكنني أؤمن بأني أكشف عن نفسي ولا أرش البهار.
التسميات: قصيدة، رأي، شعر
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية