الثلاثاء، 22 مارس 2011

على الحراب

                                                       1970
يا دما ً يرعف من جبهة أيلول البهي
يا دما ً يغمر وجه الحق
يستنفر أعصاب الضمير العربيّ
برئت عمان منّا، إن غفرنا للدعي ابن الدعيّ

وغدا ً تستيقظ عمان على زقزقة الأطفال
وتهز النخلة أيدي العذراوات فينهمر الأبطال
يا نخلة عمان أبا داوود، المحزونة
بوعود الثورة بالنار، وبالآمال
مدّي في الأرض جذورك
في هذا الوطن الغارق بالأوحال
وانطلقي باسقة في ساحات دمشق المحزونة
في بيروت المأفونة
في القاهرة المسكونة
بالقهر وبالصبر على الأثقال.
شقي أحشاء الصحراء
انسربي روحا ً ناريا ً في الجسد الصلصال
في هذا العربي التمثال.
ألا لا برأتم من دمي عمان
نداؤك يا أبا الأبطال يا قيثارة الميدان

التسميات: , ,

العــرس

                                                                     تشرين ثاني 1971
أمس جاء
وجهه يقطر خصبا وطفولة
رغبة الدفء، وهم الحبّ والكأس
وأحلام المساء
حولتها شهوة الموت ربيعا ورجولة
قال لي: يا صاحبي حان الفراق
برحيل الغيمة الآتية ينهلّ المطر
والجنى يملأ أرحام الشجر
كلما انحل على الغصن العناق
ومضى شمسا على الأفق شهيدة
رائع الخطوة كالحلم المسافر
آه من خطوته صارت جديدة
آه من نبرته صارت جديدة
صار أغنى، صار أقوى، صار ثائر ...

ومضى للموت، خلاّني لخوفي
لشعاراتي ... لسخفي
أرقب المذياع صبحا وعشية
علّني أدفن في المذياع ضعفي
مثلكم، أدفن في المذياع ضعفي
ومضى ينضح خصبا وطفولة
وهوت تلثم جفنيه البطولة
وحبا المجد على رجليه،
يستجدي الرجولة

وأنا ...
ما زلت أجتر القصائد
وأغني عقدي الصفراء،
أوجاعي الذليلة
في لساني بؤرة العهر،
وينبوع المفاسد

آه يا ألسنة العهر الطويلة ...
لو أقمناك دروبا لتجاوزنا الخيالا
لو نصبناك شباكا لتصيدنا المحالا

ثم ماذا؟
كل ما أملكه محض قصيدة!
يا صديقي
عفو قدسك
هي وعدي لك في ليلة عرسك
يا صديقي
كان أولى هذه الساعة صمتي
غير أني...
أنت أدرى...
شاعر
أحببت صوتي...

التسميات:

إنه مولد أمة

كانت الصحراء تقتات في الاعصار ظلمة
كانت الصحراء، كان الشرق للغاصب لقمة
صدقوني يا رفاقي ...
لم يكن مولد حزب،
انه مولد أمه.

كانت الصحراء أرجوزة وَجْدٍ ناحبة
كانت القدس تصلي ويداها فوق عظم الرقبة
و"اللنبي" مستريحاً فوق أشلاء القرون الشاحبة
وصلاح الدين موالاً على بال الرمال
كانت النسوة يهززن الأراجيح ويبكين الرجال
"يا حادي العيس قول للغايبين يلفوا
وعيوننا السود من كثر البكا تلفوا"

تتلوى كانت الصحراء لما علكت راياتها الخضر
جنازير الحضارة
تجفل الخيل ويذوي النخل يهوي
تجفل الخيل ويذوي الرمل يهوي
تجفل الخيل وتهوي كل أحلام الإمارة

الليل صومعة وآلاف البراعم
تستقي دمع الندى،
الليل مصلوب على بوابة الفجر المسمور بالردى
الأفق يطلع من ضلوع الليل
فوق عباءة الأفق ازدحام الخيل
حمحمة أذآن الفجر، صوت بلال
وعلى تخوم الفجر أغنية تلوّح للرجال
"نذر عليّ لو عاد الزمان يمي
تازين الدار واجعل زينتو حني"

كانت في الليل دمشق تحيك الراية للفرسان
كانت في الليل دمشق تعد الزاد
وتملأ من بردى قُرَبَ النسيان
ودمشق تكحل عينيها
دمشق تحلُّ ضفيرتها
تمسح عن جبهتها الأحزان
ودمشق السمراء الهدب العربية عيناها
تحشد فرحتها للصبح، تخبئ باقات الألحان
موعد الفجر الطالع من رحم الأزمان
وأتى نيسان
خضبت الفرحة وجه دمشق
أئتلق البعث،
انفجر الورد بعينيها ...
الصحراء، القدس، يسوع، صلاح الدين
انهمر التاريخ على قدمي نيسان

التسميات: , , , , ,

قراءة في دفتر الوطن

كانت الصحراء تغفو مثل عيني بدوية حزينة
وكان جلدها المشقق ينز أوجاعاً ولهاثا
كانت سماؤها اليابسة لا يثمر غبارها
غير الثأر والفجيعة
من حمحمات الخيول
من شهوة الغزو
من حذر الليل الجاثم فوق صدر الصحراء
اشرأبت الشمس العربية تبهر وجه التاريخ
وسَّاقط الرطب الجنيّ على مدى الصحراء
فانفجرت ينابيعاً وألحانا عِذابا
وتزاحمت فوق التلال مواكب الفرسان تمتشق الحرابا
وتنفض الأفق الكئيب مشرِّعاً للشمس بابا
فتح، وناصية الزمان هنا
وتاريخ، ندونه كتابا

ماذا؟
أيطلع من غبار الغزو قديس
ويولد من رمال البيد بحار
ومن أسطورة الرعيان عالم؟
ماذا؟
أيمسك صولجاناً غير كسرى
أم يقام لغير قيصر عرش حاكم؟
ماذا؟
أتخضع للحفاة ممالك السادات
تغدو هذه التيجان بعضاً من غنائم؟
يا منطق التاريخ أفصحْ
أين تُخْتَزَنُ الشموس، ومن يُخَبِّئها لتطلع بالبشائر
قل كيف تولد من جراح الحقل أغنية البيادر
قل إن خبزاً للجياع جناه سمسار وتاجر
سيعود سيفاً أو رصاصاً جائعاً في كف ثائر

يا منطق التاريخ قل إن الشعوب هي التي صنعتك
ما صنعتك تيجان القياصر

ليلٌ وزوبعة من الريح السموم
وألف سكين على عنق الحضارة
الريح عاتية
تمزق كل أحلام البكارة
الشرق سوق واسع للربح
والتشريع متسع تباركت التجارة
ليل، ونخاسون، قوادون
فلتغضب سماؤك يا صحارى الشرق
ولتمطر أبابيلا حجارة

كانت ذئاب الغرب تنهش لحم أولادي
وكنت أصيح أين المعجزات
كان الصباح يمر مرتجفاً ولون الشمس أصفر
والرمال تصيح أين المعجزات؟
كانت بباب الدولة العالي الكلاب تعيش من لحمي
وكنت أموت شوقاً للفُتَات
حتى تمخض ماردي العربي يهتف بالمقاصد
يشرئب إلى الحياة

التسميات: , , ,

تقاسيم على قضبان سجن الرمل

كتب الشاعر هذه المجموعة من القصائد داخل سجن الرمل بعد أن اعتقلته السلطة اللبنانية عام 1972.
وكان الشاعر قد قاد تظاهرة في شوارع مدينة النبطية، ندد خلالها بصمت السلطة حيال غارات الصهاينة التي كانت تستهدف المخيمات الفلسطينية والأبرياء من الجنوب اللبناني، لاسيما الغارة الوحشية التي حولت مخيم النبطية إلى ركام.

ودفعت إلى القاووش
ما هذا حقل رؤوس أم غاب؟
واديرت كل رؤوس الموجودين
صوت أعلن "خمسة سنين"
ها أنذا في رحم "القاووش"
تقدم نحو (الشاويش)
تقدمت وامسك بالقلم الشاويش
الاسم كذا
الجرم؟
 توقف
من يحزر جرمه؟
وتبارى الشطار لمعرفة التهمة
مخدرات، مسدس، قتل – تزوير، سرقة، بنت – ولد
لا يا ساده،
الجرم سياسي
عادت كل رؤوس الموجودين لأماكنها
***
قالوا استرحنا وانتهى الخطر
فالرمل فيه الأمر يختصر
لقي الجناة جزاء فعلتهم
لتكن لغيرهم بهم عِبَرُ
يا للغباء، غباء ما حسبوا
أفقابض الأرياح مقتدرُ؟
أو ما دروا أن البلاء هنا
في مهجة الشعب الذي قهروا
النار هبَّتْ في مرابعهم
وغزت جحور البغي تستعر
هي وثبة الفقراء فانطلقي
صُعداً مسيرتنا لك الظفر
الموت والرعب الذي رصدوا
للبغض والمال الذي هدروا
سيعود للأقدام مِمسحةً
وهم حثالات ستندثر
فمكانس الثوار جاهزة
ومزابل التاريخ تنتظر
***
من جُرحك الرّعّافِ بالألم
سأعب يا وطني بملء فمي
تاريخهم كتبوه من عرقٍ
أهلي، لنكتب غيره بدم
أنا لستُ أقبل أمتي أبداً
في جهلها أضحوكةَ الأمم
يلهو بخبزِ جياعها نهِم
فإذا مضى، فلآخر نهِمِ
يغفو على أقدامِ عاهرة
ويفيق بين الزلم والخدم
صنمٌ صنعناه ونعبده
طوعاً، فيا لشبابنا الهرم
هذي الزنود السمر كم صنعت
تاجاً وأمجاداً لذي ورم
لتحطم القيد الذي صنعت
ولتعبث الأقدام بالصنم
***
من قلب سجن الرمل أشعاري
حَمَلَتْ لهيب اللوعة الضاري
قضبان هذا السجن أعشقها
هي أيها السَّجان أوتاري
درب رضيناها تعذبنا
حباً، فلا كانت بلا نار
ثمن لحب الشعب ندفعه
لرغيفه، للحرف، للدار
خسئ الطغاة إذا هم حسبوا
أنّا سنركع عند تجار
فمكائد التجار نعرفها
ولها شحذنا عزم ثوار
لم يخرسوا فينا تمردنا
بل كللوا الهامات بالغار
لم يرهبوا إلا ضميرهم
المعجون والمخبوز بالعار
للمرة المليون نعلنها
أنّا هنا نبقى كأشجار
سنموت إن متنا بعزتنا
ونعيش إن عشنا، بأثمار
قد كان بَدءُ الغيث فانتظروا
بقيا حكايتنا مع الثار
***
علقوا الشمس بحبل واشنقوها
لنرى يحترق الحبلُ
أم الشمسُ تموتْ

قيدوا النسمة والريح اسجنوها
والشبابيكَ على الناس اغلقوها
تقرع الريح شبابيك البيوتْ
***
يا بلادي
أيها المنعوفة الشعرِ على وجه الفضيلةْ
أيها المهتوكة العرضِ فدى عين كحيلةْ
وجهُكِ الشاحبُ
يا ويلي على وجهك
كم جدَّعه شيخ القبيلة؟

يا بلادي
إن يكن صدرك مستودعَ أحزانٍ
ونجواكِ ذليلة
ولياليكِ مع الغولِ طويلةْ
أشرعي وجهكِ للشرق
فخلف الأفقِ شمسٌ وطفولة
وافتحي قلبكِ للريح
ففي الريحِ مواويلُ بطولة
وغداً، ما همَّ، أو بعد غدٍ
تُشرق شمس مستحيلة
***
ها هنا في بلد الحبِّ المنافق
يصلبون الله في الليلِ على كلِّ المفارق
فإذا القديس مارِق
وإذا الضوءُ عدو للحياة
ها هنا حيث تداس المَكرمات
تحت اقدامِ الزناة
باسم قانونِ الزناة

تتساوى حكمةُ القاضي وبِسطارُ الخفير
في اضطهادِ الشمسِ أو سحق الزهور
لعبة الصلبِ هنا مشروعةٌ
مثلما مشروعةٌ
سرقة الحاكم، أو جوع الفقير

ها هنا نبقى على أرض الجنوب
نتحدى الموتَ بالموتِ
وبالرفضِ نجيبْ
كل أصوات الهروب الراجفة
نحن لسنا عابري درب هنا
بل شجراتٌ واقفة
في ضلوعِ الصخرِ مزروعون
فلتخسأ قلوبٌ واجفة
تقبل الريحُ تروحُ الريح
نبقى شجراتٍ واقفة
***
أيها السادة يا حكامنا
شكراً وشكرا
إنها مقبولةٌ مردودةٌ
عُلَبُ السردين والجبن
وبودرة الحليب الناشفة
إنها مرفوضةٌ كل مسوحِ العاطفة
الجنوب الراعفُ المنسي
لن تحميه اسعافاتُكم
بل ستحميهِ الجباهُ الراعفة
***
السجن لنا
ولكم عرباتُ المخمل
الخبز اليابس للأيدي اليابسة السمراء
العطر الحالم للأيدي الملساءّ
السجن لنا نحن الفقراء
المجد لنا نحن الفقراء
وغداً تعشب أقدام السجناء
غداً تعشب أقدام السجناء
***
قالوا سنطفئ في فؤادك كل شمسٍ مشرقة
سنميت في فمك الغصون المورقة
قلتُ اصلبوني، واشنقوني
واجعلوا جسدي طعام المحرقة
سَبابتي ستطل من خشب الصليب
ومن حبالِ المشنقة
***
قال الأحبة:
في غدٍ تعرى وتلفظك الدروبُ
ويجوع طفلك
تنهب الأمراضُ عمرك
والطبيبْ
سلفاً يريد الأجر
والدَّيان لا يهب الدواء ولا الحليب
يا ناحبون عليَّ أدري أن في بلد الذئاب
تتربصُ الغيلان بالأطفال
والأقمار يأكلها الذباب
ولأن لي قمراً وطفلاً
صُرت أهزأ بالذئاب
ولأن لي قمراً وطفلاً
صرتُ أضحكُ للعذاب
***
 وستبقين، كما كنتِ جميلة
وسيبقى مرجُ عينيكِ
شبابيكي على دنيا الطفولة
دهشة الضيعة في العيد
فساتين صباياها الطويلة
نزق المريلة البلها على ساق خجولة
وآماني شعبنا الطيب بالخبزِ غداً
كلها عندك يا غاليتي
***
يا بني
إنني أسمعُ في وقع المطر
صوتكَ الجذلان في الصحوِ يغني
إنني ألمحُ في وقعِ المطر
فرَحاً في لونِ عينيكَ
وفي حجمِ التمني
وأنا في قلبِ سجني
يا بني
بذرة تشربُ من دمعِ المطر
***

التسميات: , , , ,