كتب الشاعر هذه المجموعة من القصائد داخل سجن الرمل بعد أن اعتقلته السلطة اللبنانية عام 1972.
وكان الشاعر قد قاد تظاهرة في شوارع مدينة النبطية، ندد خلالها بصمت السلطة حيال غارات الصهاينة التي كانت تستهدف المخيمات الفلسطينية والأبرياء من الجنوب اللبناني، لاسيما الغارة الوحشية التي حولت مخيم النبطية إلى ركام.
ودفعت إلى القاووش
ما هذا حقل رؤوس أم غاب؟
واديرت كل رؤوس الموجودين
صوت أعلن "خمسة سنين"
ها أنذا في رحم "القاووش"
تقدم نحو (الشاويش)
تقدمت وامسك بالقلم الشاويش
الاسم كذا
الجرم؟
توقف
من يحزر جرمه؟
وتبارى الشطار لمعرفة التهمة
مخدرات، مسدس، قتل – تزوير، سرقة، بنت – ولد
لا يا ساده،
الجرم سياسي
عادت كل رؤوس الموجودين لأماكنها
***
قالوا استرحنا وانتهى الخطر
فالرمل فيه الأمر يختصر
لقي الجناة جزاء فعلتهم
لتكن لغيرهم بهم عِبَرُ
يا للغباء، غباء ما حسبوا
أفقابض الأرياح مقتدرُ؟
أو ما دروا أن البلاء هنا
في مهجة الشعب الذي قهروا
النار هبَّتْ في مرابعهم
وغزت جحور البغي تستعر
هي وثبة الفقراء فانطلقي
صُعداً مسيرتنا لك الظفر
الموت والرعب الذي رصدوا
للبغض والمال الذي هدروا
سيعود للأقدام مِمسحةً
وهم حثالات ستندثر
فمكانس الثوار جاهزة
ومزابل التاريخ تنتظر
***
من جُرحك الرّعّافِ بالألم
سأعب يا وطني بملء فمي
تاريخهم كتبوه من عرقٍ
أهلي، لنكتب غيره بدم
أنا لستُ أقبل أمتي أبداً
في جهلها أضحوكةَ الأمم
يلهو بخبزِ جياعها نهِم
فإذا مضى، فلآخر نهِمِ
يغفو على أقدامِ عاهرة
ويفيق بين الزلم والخدم
صنمٌ صنعناه ونعبده
طوعاً، فيا لشبابنا الهرم
هذي الزنود السمر كم صنعت
تاجاً وأمجاداً لذي ورم
لتحطم القيد الذي صنعت
ولتعبث الأقدام بالصنم
***
من قلب سجن الرمل أشعاري
حَمَلَتْ لهيب اللوعة الضاري
قضبان هذا السجن أعشقها
هي أيها السَّجان أوتاري
درب رضيناها تعذبنا
حباً، فلا كانت بلا نار
ثمن لحب الشعب ندفعه
لرغيفه، للحرف، للدار
خسئ الطغاة إذا هم حسبوا
أنّا سنركع عند تجار
فمكائد التجار نعرفها
ولها شحذنا عزم ثوار
لم يخرسوا فينا تمردنا
بل كللوا الهامات بالغار
لم يرهبوا إلا ضميرهم
المعجون والمخبوز بالعار
للمرة المليون نعلنها
أنّا هنا نبقى كأشجار
سنموت إن متنا بعزتنا
ونعيش إن عشنا، بأثمار
قد كان بَدءُ الغيث فانتظروا
بقيا حكايتنا مع الثار
***
علقوا الشمس بحبل واشنقوها
لنرى يحترق الحبلُ
أم الشمسُ تموتْ
قيدوا النسمة والريح اسجنوها
والشبابيكَ على الناس اغلقوها
تقرع الريح شبابيك البيوتْ
***
يا بلادي
أيها المنعوفة الشعرِ على وجه الفضيلةْ
أيها المهتوكة العرضِ فدى عين كحيلةْ
وجهُكِ الشاحبُ
يا ويلي على وجهك
كم جدَّعه شيخ القبيلة؟
يا بلادي
إن يكن صدرك مستودعَ أحزانٍ
ونجواكِ ذليلة
ولياليكِ مع الغولِ طويلةْ
أشرعي وجهكِ للشرق
فخلف الأفقِ شمسٌ وطفولة
وافتحي قلبكِ للريح
ففي الريحِ مواويلُ بطولة
وغداً، ما همَّ، أو بعد غدٍ
تُشرق شمس مستحيلة
***
ها هنا في بلد الحبِّ المنافق
يصلبون الله في الليلِ على كلِّ المفارق
فإذا القديس مارِق
وإذا الضوءُ عدو للحياة
ها هنا حيث تداس المَكرمات
تحت اقدامِ الزناة
باسم قانونِ الزناة
تتساوى حكمةُ القاضي وبِسطارُ الخفير
في اضطهادِ الشمسِ أو سحق الزهور
لعبة الصلبِ هنا مشروعةٌ
مثلما مشروعةٌ
سرقة الحاكم، أو جوع الفقير
ها هنا نبقى على أرض الجنوب
نتحدى الموتَ بالموتِ
وبالرفضِ نجيبْ
كل أصوات الهروب الراجفة
نحن لسنا عابري درب هنا
بل شجراتٌ واقفة
في ضلوعِ الصخرِ مزروعون
فلتخسأ قلوبٌ واجفة
تقبل الريحُ تروحُ الريح
نبقى شجراتٍ واقفة
***
أيها السادة يا حكامنا
شكراً وشكرا
إنها مقبولةٌ مردودةٌ
عُلَبُ السردين والجبن
وبودرة الحليب الناشفة
إنها مرفوضةٌ كل مسوحِ العاطفة
الجنوب الراعفُ المنسي
لن تحميه اسعافاتُكم
بل ستحميهِ الجباهُ الراعفة
***
السجن لنا
ولكم عرباتُ المخمل
الخبز اليابس للأيدي اليابسة السمراء
العطر الحالم للأيدي الملساءّ
السجن لنا نحن الفقراء
المجد لنا نحن الفقراء
وغداً تعشب أقدام السجناء
غداً تعشب أقدام السجناء
***
قالوا سنطفئ في فؤادك كل شمسٍ مشرقة
سنميت في فمك الغصون المورقة
قلتُ اصلبوني، واشنقوني
واجعلوا جسدي طعام المحرقة
سَبابتي ستطل من خشب الصليب
ومن حبالِ المشنقة
***
قال الأحبة:
في غدٍ تعرى وتلفظك الدروبُ
ويجوع طفلك
تنهب الأمراضُ عمرك
والطبيبْ
سلفاً يريد الأجر
والدَّيان لا يهب الدواء ولا الحليب
يا ناحبون عليَّ أدري أن في بلد الذئاب
تتربصُ الغيلان بالأطفال
والأقمار يأكلها الذباب
ولأن لي قمراً وطفلاً
صُرت أهزأ بالذئاب
ولأن لي قمراً وطفلاً
صرتُ أضحكُ للعذاب
***
وستبقين، كما كنتِ جميلة
وسيبقى مرجُ عينيكِ
شبابيكي على دنيا الطفولة
دهشة الضيعة في العيد
فساتين صباياها الطويلة
نزق المريلة البلها على ساق خجولة
وآماني شعبنا الطيب بالخبزِ غداً
كلها عندك يا غاليتي
***
يا بني
إنني أسمعُ في وقع المطر
صوتكَ الجذلان في الصحوِ يغني
إنني ألمحُ في وقعِ المطر
فرَحاً في لونِ عينيكَ
وفي حجمِ التمني
وأنا في قلبِ سجني
يا بني
بذرة تشربُ من دمعِ المطر
***